الزمامرة.. مدينة تتألم في صمت..

0

 

 

موسى مريد.

 

و أنت تتجول في الزمامرة، تتفرس في سحنات الناس و في كتل الاسمنت، فتشعر و كأنها مدينة منكوبة، و أن شيئا ما جللا يقع هنا، شيء كالحزن كالغبن كالألم .. لكن ما يخيف أكثر أنها مدينة صامتة .. صمتها كافكاوي كمدن الملح و كأمكنة الخبز الحافي ..
تصل الى المدينة قادما من أسفي، تقف فيما يسميه سكانها ب ( لاكار)، و ما هو بمحطة قطار و لا حافلات .. كان قديما قلب المدينة النابض بالناس و التجارة و المقاهي و رائحة الشواء التي تملأ المكان ليل نهار .. لكنه اليوم، أصبح عبارة عن موقف لبضع سيارات خطافة متهالكة و مقاه فارغة و كثير من المجانين و المتسولين و الكلاب الضالة الذين يحتلون المكان.. تنعرج يسارا، شارع الجيش الملكي أو ما يسميه الزمامريون بالتران .. الشارع محفر كأنه تعرض لقصف بصواريخ كروز، عربات مجرورة بدواب تتناطح وسط الطريق، فوضى عارمة و روائح نتنة حد الغثيان.. في هذا الشارع يوجد مقر المحافظة على الاملاك العقارية، أذكر أن أحد الصحفيين الجديديين مر من هنا لقضاء غرض ما، ذهب غاضبا و كتب مقالا أثار حنقي، اعاد ذكر جملة ( الزمامرة مدينة متسخة جدا) مرات عديدة .. لكني أعترف أن الرجل لم يقل سوى الحقيقة المرة ..
حي السلام، حي تاريخي سكنته النخبة الغندورية و علية القوم فيما مضى، أصبح نقطة سوداء، حي مظلم متسخ وشوارعه محفرة، حي تعشش فيه البطالة و الفقر، و نظرا لكثافة سكانه، دأب تجار الانتخابات على جعله خزانا انتخابيا، و تركوه مهمشا .. دأب المسؤولون على إهمال الأحياء ذات الكثافة السكانية، و التركيز على تزيين الواجهة ، سياسة قديمة منذ عهد البصري..
تجول في أطراف المدينة، هنا كانت خزانة بلدية تحتوي الاف الكتب القيمة ،تم إعدامها بكل وقاحة، هذه دار الثقافة التي بنيت بمساعدة من الاتحاد الاوروبي، لكنها مثلها مثل دار الشباب مغلقة .. المؤكد أن أحدهم هنا يكره كلمة ثقافة ..
تتناسل المقاهي، لكنها فارغة، باستثناء ايام المقابلات الرياضية، التجار يشكون قلة الرواج، و في كل زاوية تجد شبابا في مقتبل العمر بدون دراسة ولا عمل، يقتلون الوقت، أفة البطالة تنخر جميع الأسر، مؤخرا صدم الجميع لفيديوهات على مواقع التواصل لشباب من الزمامرة على متن قوارب الموت .. هذا لم يسبق له أن حدث هنا .. كان الشباب فيما مضى يمتلك المال ليشتري عقودا للهجرة الى أوربا، لم يكن يغامر بحياته أبدا في قوارب الموت ..
كل الدكتاتوريات استعملت الرياضة، و خصوصا كرة القدم، لزيادة شعبيتها، فالجماهير بحاجة الى الانتماء و الى الفرح و الى الاحساس بنشوة الانتصار .. نحن جميعا نحب كرة القدم، و نحب فريقنا، و في الزمامرة، تم استثمار كل شيء في كرة القدم، ملعب كرة القدم الرائع، و ملاعب للتداريب و قاعة رياضية .. حتى ميزانية المجلس البلدي تذهب الى فريق الكرة، و لتذهب الثقافة والمدرسة و المستشفى و الشباب الى الجحيم .. فالمسؤولون هنا أصبحوا كفناني الجيل الجديد، يبحثون عن البوز، عن الأضواء، عن الترقي السياسي، و لو على حساب مدينة تتألم في صمت …
موسى مريد

Loading...