عبد الله غيتومي
مرت أزيد من ثلاثين سنة على غرق سفينة فلبينية محملة بالأخشاب في عرض ساحل الجديدة، ولم يعد يظهر منها، مع مرور الأيام، إلا نصفها الأمامي قبالة مقهى “سندس” بشاطئ الحوزية، الذي أطلق عليه أهل المدينة “شاطئ تيتانيك”، تشبها بنكبة السفينة الإنجليزية الشهيرة، التي اصطدمت بجبل جليدي في 1912.
أذكر أنه في أحد أيام 1987، كنت مع مجموعة من تلامذتي في خرجة دراسية إلى الحي البرتغالي، وكان الوقت عصرا، حين أبصرنا، من فوق البرج جلبة غير عادية، بعدها هرع فريق كبير من الوقاية المدنية، بقيادة الكولونيل امحمد البطيوي، فأدركنا أن الأمر يتعلق بإنقاذ طاقم سفينة فلبينية كانت في رحلة تجارية من “كوت ديفوار” نحو هولندا.
في الجهة الأخرى من البر، كان الباشا الحديدي مولاي الطيب، رفقة ساعده الأيمن عبد اللطيف الكناني، يتخذان كافة الترتيبات لاستقبال الفلبينيين بمستشفى محمد الخامس، في وقت حاول قبطان السفينة الانتحار، شعورا منه بالمسؤولية.
غادرت السفينة المنكوبة “كوت ديفوار” محملة بجذوع أشجار ضخمة شبيهة بأشجار “السافانا”، التي يستخرج منها “خشب الأكاجو”. وبعد أن قطعت مسافة 4500 كيلومتر، ولأنها سفينة مسنة، لم تقو على مواجهة أمواج بحر الظلمات العاتية، على مستوى ساحل الجديدة، أحس قائدها بخطورة الأمر، فأرسل إشارات نجدة متكررة إلى برج المراقبة بميناء الجرف الأصفر دون جدوى.
مقابل ذلك، التقط الدرك البحري بعضا منها، وتجاوب بالسرعة الممكنة لإنقاذ أرواح الطاقم. وحاولت السفينة تفادي الغرق، لكن عواصف عاتية طوحت بها فارتطمت بصخور قبالة “سيدي الضاوي” بالجديدة.
كانت قيمة حمولة السفينة من الأخشاب تتجاوز، يومها، مليارين، وبدأت مياه البحر تلفظ، يوميا، خشب الأكاجو.
وبتعليمات من العامل الأسبق، فريد الوراق، الذي سير الإقليم بين 1985 و1994، تم تكليف فريق من عمال الإنعاش الوطني، تحت إمرة “بكار”، شيخ “فخذة” الغربية بجماعة الحوزية، لشحن الأخشاب نحو ميناء الجديدة تحت عهدة مكتب استغلال الموانئ.
ظلت الأخشاب لمدة بالميناء، وتم ربط الاتصال بالشركة مالكة السفينة المنكوبة، قصد تأدية ما بذمتها من نفقات الحراسة، لكنها، وبحكم أنها مبالغ طائلة، تخلفت عن الأداء في الآجال الممنوحة لها، فصادرتها الدولة المغربية وباعتها في مزاد علني، دون أن تعرف الطريقة التي آلت بها عائدات الخشب لفائدة الدفاع الحسني الجديدي متعدد الرياضات، الذي أنشأه العامل الوراق في 1989، وترأسه المرحوم إدريس شاكيري.
وبفضل تلك الأموال، أضحى الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم، آنذاك، أغنى من الرجاء والوداد، وخاض صراعا مريرا مع الاتحاد البيضاوي للعودة إلى القسم الوطني الأول موسم 1987/1988، بعد أن غادره في الموسم الذي سبقه.
ومن أموال الباخرة المنكوبة، رخص المرحوم الطاهر المصمودي للدفاع الجديدي متعدد الرياضات ببناء “كلوب هاوس” بشارع بغداد، الذي أصبح، منذ ذلك الوقت، مقرا لنادي الدفاع الجديدي لكرة القدم، قبل أن يتحول النادي إلى حانة مكتراة إلى خواص منذ 2000، بمبلغ 10 ملايين شهريا قبل أن تتراجع السومة الكرائية إلى أقل من 6 ملايين.
هذا بعض من قصة سفينة “تيتانيك” التي تحولت، مع مرور الزمن، إلى جزء من معالم الجديدة، يلتقط سكانها والزوار صورا تذكارية مع شطرها البادي في منظر بانورامي رائع.
بقلم الاستاذ ..عبد الله غيتومي