ذ. موسى مريد★
تناقلت مجموعة من المواقع الإخبارية كلاما قويا منسوبا لعامل إقليم سيدي بنور خلال اجتماع المجلس الاقليمي المنعقد منتصف يناير الجاري، فموقع سيدي بنور نيوز مثلا اعتبر تدخل العامل خلال الاجتماع المذكور بأنه ” فتح النار في وجه أعضاء المجلس، و انتقد عمل المنتخبين و طالبهم بتقديم حصيلتهم في المؤسسات المنتخبة”، و أضاف ذات الموقع أن العامل “انفجر غاضبا و هو يوجه سهام النقد اللاذع لبعض السياسيين الذين يركبون على معاناة الفقراء و لا يفكرون الا بالانتخابات المقبلة”، و أردف ” حان الوقت للقطع مع الممارسات القديمة و تجديد النخب السياسية و منح الفرصة للشباب”…
هذا كلام كبير حقا، لا يمكن للمواطن الشريف و المتتبع العقلاني و المناضل النزيه إلا أن يتفق مع ما جاء فيه، لكن الموقع الذي يشغله الرجل، و الحمولة “الثورية” للكلام المنسوب إليه لم نعهد سماعها في اجتماعات رسمية من رجالات وزارة الداخلية و من عمال الأقاليم تحديدا.. لذلك لا بد من التوقف عند بعض ما قاله عامل اقليم سيدي بنور.
يبدو للوهلة الأولى أن العامل استنتج بالملموس و من خلال الملفات المعروضة عليه و الاحتكاك المباشر، و هو ممثل الدولة الأول بالإقليم، و رجل وزارة الداخلية التي قيل إن أعينها لا تنام، أن جل النخب السياسية الموجودة بالجماعات و المجالس التمثيلية، تشكل عائقا أمام أية تنمية بالإقليم، رغم الموارد المالية و الإمكانات الهامة التي يزخر بها ، و حصيلة عمل هذه النخب تشهد عليها الأوضاع العامة الكارثية للإقليم، فالطرقات محفرة، و الشباب يعاني البطالة، و وضعية قطاعات التعليم و الصحة كارثية، و قطاعات حيوية مثل السكن و الفلاحة تسيطر عليها لوبيات المنتخبين الفاسدين..
إن مطالبة عامل الإقليم للمنتخبين بتقديم حصيلتهم إن حصل فعلا، فإنه سيتحول إلى “حَصْلَة” حقيقية للفاسدين.
تحدث عامل الإقليم عن استغلال كثير من السياسيين بالإقليم لمعاناة الفقراء، و تركيز اهتمامهم على الانتخابات، و نضيف هنا أن جل هؤلاء المنتخبين يستثمرون في الفقر، فهو منبع خزانهم الانتخابي الذي لا ينضب ، فالمعروف للجميع أن الأعيان الأثرياء الفاسدين بالإقليم تعودوا على شراء الأصوات و استغلال الفقر و الجهل و الهشاشة للوصول الى كراسي المسؤوليات التمثيلية، و كل ذلك أمام أعين السلطة التي تنام عمدا هذه المرة زمن كل حملة انتخابية ..
أقوى ما جاء في كلام عامل الإقليم دعوته للأعيان الفاسدين بترك مناصبهم و تجديد النخب و إعطاء الفرصة للشباب و إنهاء الممارسات القديمة.. إن الكلام هنا واضح، فالعامل طالب برحيل المنتخبين الفاسدين، و بإنهاء عهد شراء الأصوات و الاغتناء من ميزانيات المؤسسات المنتخبة.. لطالما قلنا و كررنا هذا الكلام، إن التغيير يبدأ برحيل هؤلاء، و إن مأساة هذا الإقليم في منتخبيه من الأعيان الفاسدين، الذين لا تهمهم تنمية و لا تقدم و لا هم يحزنون، و إنما غايتهم الوحيدة تكديس الثروات و الاستيلاء على مقدرات الإقليم و نهب المال العام و توريث أبنائهم لمصادر السلطة و الثروة.. و الأوضاع المزرية للجماعات التي يسيرونها كضيعات خاصة منذ عقود دليل حي على ما نقول ..
و إذ نحيي السيد العامل على كلامه الشجاع، معبرين عن دعمنا لمواقفه هذه، ومطالبين بالتحرك الملموس للمضي قدما بما تيسر له من الآليات القانونية في فضح وردع المفسدين و جرهم الى القضاء، لا بد من تذكيره أن تغول هؤلاء الأعيان الفاسدين، و إفسادهم العمل السياسي و العملية الانتخابية ، إضافة الى بلقنة المشهد الحزبي، وتأسيس الأحزاب الإدارية، و محاربة التيارات المناضلة، و غض الطرف عن شراء الضمائر و إفساد العملية الانتخابية بجميع أنواع التزوير، و عدم زجر ناهبي المال العام من المنتخبين الذين دخلوا للمؤسسات التمثيلية فقراء فأصبحوا مليارديرات .. كل هذا الإفلاس السياسي و الانتخابي و الأخلاقي كان بتخطيط و تنفيذ و إشراف و تحت أعين وزارة الداخلية، التي ينتمي إليها.. و أن الحل الحقيقي و الجذري يكمن في التخلي نهائيا عن هذه الممارسات القديمة.
لذلك نتمنى صادقين أن يكون كلام السيد العامل بداية لنهج جديد للدولة، لا مجرد كلام رجل نزيه ثارت ثائرته ضد فساد لم يستطع الصمت أمامه، أو فلتات لسان لحظة غضب، فترفع يدها عن الحقل السياسي و الحزبي و العملية الانتخابية، و أن تتحلى بالإرادة للمحاربة الفعلية للفساد و النهب، عبر سن القوانين الزجرية اللازمة بالحبس و الغرامة و استرجاع الأموال المنهوبة و الحرمان من الحقوق السياسية، وغيرها من الآليات المعمول بها كونيا في محاربة الفساد و المفسدين.
★ أستاذ و فاعل سياسي.