هشام الفاتحي و “الحمام” و الآخرون…

0

 

 

كتبها لسيدي بنور نيوز : موسى مريد

 

هشام الفاتحي، شاب بسيط في الثلاثين من عمره، متزوج و أب لثلاثة أطفال، بساطته و براءته مكتوبتان على ملامح وجهه، فقره لا تخطئه العين، هو كمثل الملايين في هذا الوطن الذين يستيقظون باكرا و لا يعرفون هل سيضمنون مساء ما يسد رمق صغارهم.. لم تكن لي به معرفة من قبل، لكن باشا الزمامرة السابق الذي جرى تنقيله كان له الفضل في صداقتنا، فقد شاءت الأقدار أن يكتري هشام في حي صفيحي بالزمامرة ما يشبه بيتا لأولاده، و ذهب للباشوية يطلب شهادة السكنى لتجديد بطاقته الوطنية التي انتهى أجل صلاحيتها، محملا بعقد كراء و وصولات تشهد له بما لا يدع مجالا للشك بأنه يستحق هذه الوثيقة العادية .. لكن كان للباشا رأي اخر، فقد رفض منحه شهادة السكنى، انتقاما من هشام الذي احتج ذات يوم على خليفته الذي عامله و الباعة بسوق اشطيبة بفظاظة زمن تغول المخزن بدعوى حالة الطوارئ و كورونا… و بعد سير واجي التي تشتهر بها الإدارات المغربية، و إلحاح هشام في طلب شهادة السكنى، اتصل الباشا بالشرطة، مدعيا ان هشام أهانه و منعه من القام بعمله، معززا روايته بشاهدين يشتغلان تحت إمرته! ( هذا الباشا اشتهر بشكاياته ضد عدد من الناشطين منهم أنا شخصيا ) اقتيد هشام الى المحكمة فحوكم ابتدائيا بشهر نافذ.. بعد شهر خرج من السجن ليتم استدعاؤه من طرف المحكمة على خلفية شكاية أخرى رفعها نفس الباشا يتهمه فيها بإهانة الخليفة، ثم تعود المحكمة لتستدعيه مرة ثالثة للمثول أمامها استئنافيا في القضية الاولى .. كل هذا من أجل شهادة السكنى أي و الله!
يوم الجمعة 11 دجنبر أعلن هشام إضرابا انذاريا عن الطعام و اعتصاما ليومين أمام مقر الباشوية، احتجاجا على ما لحقه من ظلم و متابعات، و مطالبا بحقه في شهادة السكنى. ذهبت بتوكيل من الحزب للتضامن معه و الاستماع اليه، وجدته وحيدا مكبلا يديه و رجليه بسلاسل حديدة، تحيط به أعين المخزن ما ظهر منها و ما بطن، كان هذا لقاؤنا الأول، تحدث لي بمرارة عما تعرض له من ظلم من طرف المسؤولين المحليين و في السجن، و عن عزمه مواصلة النضال من أجل إثبات براءته و الحصول على وثيقته .. نصحته بشرب الماء و السكر، و باختيار مكان يحميه قليلا من البرد و الأمطار، ثم ودعته و أنا أردد في قرارة نفسي ( أين دولة الحق و القانون ).. في الزمامرة، هناك “حمام” مشهور لكنه من نوع آخر .. الحمام في الزمامرة هو لقب يحمله مصطفى السحنوني، شاب في عقده الرابع ، أب لخمسة أطفال، قضى سنوات طوال في السجن، فكان عذاب الزنازين و قساوة السجانين مدرسته التي تعلم فيها الكثير وتخرج منها ناضجا و عاشقا للكرامة، تعلم في السجن كيف يناضل من أجل حقوقه المشروعة، يحكي بفخر كيف كان يحاور المسؤولين و يخوض اعتصاما و إضرابا عن الطعام من أجل أن يتم تنقيله الى سجن قريب من العائلة أو من أجل حقوق السجناء الطبيعية في المأكل و التطبيب و غيرها.. يحكي كيف جرته تلك المواقف النضالية الى التعرض للتعذيب و للاغتيال حتى .. لكنه صمد حتى خرج من السجن..
علم و هو في السجن ان هناك مؤسسة ملكية تعنى بإدماج السجناء السابقين الذين أبانوا عن حسن سيرتهم في المجتمع، اجتمع مع بعض أصدقائه السجناء السابقين من الزمامرة و جماعة الغنادرة و ذهبوا لطلب لقاء عامل الاقليم من أجل الاستفادة من برامج اعادة الادماج او برنامج التنمية البشرية، طُلِب منهم ان يؤسسوا جمعية خاصة بهم، ففعلوا ذلك على الفور، لكن الأمور توقفت هنا للأسف، فلم يعد يستقبلهم أو يجيب على مراسلاتهم أحد.. نظموا بضع وقفات احتجاجية بدون جدوى .. فقرروا اخيرا الاعتصام أمام مقر رئيس دائرة الزمامرة، عشرون يوما مرت على اعتصامهم، في البرد القارس و تحت الأمطار، و لحد كتابة هذه السطور، لا يبدو في الأفق ثمة مبادرة حقيقية من طرف المسؤولين لحل مشكلتهم …
رشيد و جلال و عيدة و عبد المولى و اخرون، خمسة عشر مواطنا تم اقصاؤهم من برنامج مدن بدون صفيح، خاضوا سنة من النضالات رفقة نسائهم و أطفالهم الذين حفظوا شعارات الاحتجاج عن ظهر قلب، اعتصموا ثلاثة اشهر متتالية أمام المجلس الجماعي للزمامرة، أسفرت نضالاتهم في النهاية عن محضر اتفاق وقعه معهم رئيس المجلس الجماعي و باشا المدينة الاسبق، يعدونهم فيه ببقع سكنية في تجزئة قيد الانشاء.. مرت أربع سنوات، و ليس هنالك من تجزئة ولا بقع و لا هم يحزنون.. أخبروني مؤخرا أنهم ينوون الاعتصام مرة أخرى عما قريب في نفس المكان للمطالبة بتنفيذ محضر الاتفاق..
في هذه المدينة الصغيرة و الحزينة، لا أحد من المسؤولين و عرام ديال المنتخبين ينصت الى صوت المظلومين و أنينهم، أعجب حقا كيف تغمض جفونهم على أسرتهم الوتيرة كل ليلة، و هم يعلمون ان كثيرا من المظلومين يفترشون الأرض و يلتحفون السماء في انتظار قرار منهم .. و أتساءل ترى كيف تتم صناعة كائنات بكل هذه القسوة و هذه اللامبالاة؟
في الزمامرة، يمكن لأي زائر أن يكتشف بسهولة سوء الأوضاع العامة، و خوف الناس من القمع، و تفشي الظلم، يكفي أن يسير المرء قليلا في شارع واحد ، ذاك الذي يؤدي الى مقر السلطات المحلية و المجلس البلدي، حيث يجلس على طرفيه هشام و الحمام و الآخرون..

Loading...